حول مستقبل الكتابة في زمن الذكاء الاصطناعي ملتقى الشارقة للسرد يختتم فعاليات الدورة 21 في القاهرة
مشاركون: الشارقة منارة للإبداع في العالم العربي

القاهرة- اختتم ملتقى الشارقة للسرد أعمال الدورة الحادية والعشرين التي استضافتها جمهورية مصر العربية على مدى يومين، تحت عنوان “الرواية والذكاء الاصطناعي”، وشهدت مشاركة أكثر من60 مبدعاً من روائيين وأكاديميين ونقّاد مصريين وعرب.
ويأتي الملتقى تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويركز على المجال النقدي في السرد بكافة أنواعه الإبداعية.
أقيم حفل ختام الملتقى في المجلس الأعلى للثقافة في العاصمة المصرية القاهرة، بحضور سعادة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ود. أشرف العزازي أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في دائرة الثقافة، مدير الملتقى، وحسين القباحي مدير بيت شعر الأقصر، وعدد كبير من النقاد والأكاديميين والباحثين والمتخصصين في مجال السرد.
وقام العويس والقصير يرافقهما العزازي بتسليم شهادات تقدير للمشاركين في الملتقى، تقديراً لجهودهم وتحفيزاً لهم على مواصلة العطاء الإبداعي، بما يسهم الساحة الثقافية العربية.
وأشاد مشاركون في الملتقى بالجهود الكبيرة التي تبذلها الشارقة في دعم الثقافة العربية، مؤكدين أن مبادراتها المتنوعة تجعلها منارة للإبداع في العالم العربي، كما أن رعايتها للمبدعين وتعزيز المشهد الإبداعي تجعلها نموذجاً يحتذى به. كما رأوا في استضافة مصر لهذا الملتقى فرصة لتعزيز الروابط الثقافية، معتبرين في الوقت نفسه أن ملتقى الشارقة للسرد يوفّر منصة لتعميق الحوار الأدبي والنقدي ونقل الخبرات بين الكتّاب من مختلف البلدان، كما ثمّنوا عنوان الدورة الحالية الذي ألقى الضوء على موضوع ثقافي بارز يتصل بالتحديات التي تواجه مستقبل الكتابة.
“ثلاثة محاور وشهادات”
شهد اليوم الختامي الحديث عن المحاور: الثاني، والثالث، والرابع، إضافة إلى جلسة شهادات قدّمها مجموعة من المبدعين.
حمل المحور الثاني عنوان “هل سيشكل الذكاء الاصطناعي مكونات روائية جديدة؟”، تحدث فيه: د. هيثم الحاج، ود. محمد الخولي، وسيد وكيل، ورحاب رمضان، وقامت د. سهير المصادفة بإدارة الجلسة.
وخلصت دراسة د. الحاج إلى القول: “يمكن رصد أثر الذكاء الاصطناعي على الرواية العربية من منطلق كونه أداة مساعدة وأن الاعتماد الكامل عليه سوف يوقع النص في شرك التقليد الكامل، وأنه بالقدر الذي تكون المدخلات الأولى التي يتم إدخاله له ليبدأ في كتابة دقيقة ومحددة ومبتكرة، بقدر ما يبتعد عن هذه الصورة، لكنه سيظل دائرا في فلك تقليد الأنماط الأكثر انتشارا على الإنترنت بما يهدد النص المكتوب عن طريقه بالخروج من دائرة الإبداع”.
ويرى سيد وكيل أن الساحة الثقافية العربية على عتبة نقلة نوعية، قد نشعر حيالها بالقلق، ومع ذلك لا مفر من اختبارهاـ وسبر أغوارها، موضحاً “ليبدو واقعنا العربي قابلاً للتفاعل مع كل المستجدات التي تترصد لواقعنا الثقافي وتاريخنا العربي”.
وتناولت دراسة د. رحاب رمضان تأثيرات الذكاء الاصطناعي على النصوص الأدبية والفن، مشيرةً إلى دوره في إبداع محتوى جديد وتحويل أساليب الإنتاج الفني، لكنه في الوقت نفسه يثير تساؤلات حول الإبداع البشري والأصالة القانونية، كما استعرضت الدراسة تاريخ الذكاء الاصطناعي، وتطوراته، وتأثيره على الفنون، موضحةً أنه أداة إبداعية تسهم في التطوير ولكنها قد تهدد المفهوم التقليدي للإبداع.
وبحثت الدراسة في تأثير الذكاء الاصطناعي على الإبداع الفني والأدبي، متسائلًا عن مدى التشابه بين الأعمال البشرية وتلك المنتجة بالذكاء الاصطناعي، كما يناقش مدى تأثير الخوارزميات على الإبداع، وتغير مفهوم التأليف.
واستطاعت ورقة د. الخولي البحثية أن تجيب على السؤال الذي ارتكز عليه البحث: هل سيشكّل الذكاء الاصطناعي مكونات روائية جديدة؟، وقبل التوغل في الإجابة على السؤال، استغورت الورقة البحثية في عوالم الذكاء الاصطناعي، ورصدت تحولات العالم في ظلال الرقمنة.
وتوقفت الورقة البحثية-طويلا- عند مفهوم الحضارة الإنسانية الجديدة: (ما بعد الإنسان)، وتأسس موقف الباحث على رؤية فلسفية شارحة للنظم التي تنبني عليها الحضارة الجديدة. ذلك أن كل نتاج حضاري جديد ينشأ عن طريق التصادم بين ما كان، وما هو كائن، وترقب ما هو آت وفقاً لتصوره.
وبعد مناقشة النظرية الأدبيّة، ورصد تطوراتها، توصل الخولي إلى مجموعة من النتائج، أبرزها أن الذكاء الاصطناعي – في وضعه الآني – غير قادر على إنتاج رواية دون استدعاء العنصر البشري.
“الشرط الإنساني”
ركز المحور الثالث على موضوع “الذكاء الاصطناعي وأثره في تحلل الرواية من شرطها الإنساني”، بمشاركة النقاد والباحثين: د. هويدا صالح، ود. عادل ضرغام، ود. محمد زيدان، ود. إيمان عصام خلف، فيما قام د. السيد نجم بإدارة الجلسة.
تناول ورقة د. هويدا البحثية التأثيرات المتعددة الأوجه للذكاء الاصطناعي على الرواية، مع التركيز بشكل خاص على دوره في تحلل الشرط الإنساني داخل السرديات الأدبية، وزعزعة التصورات التقليدية لذلك الشرط الإنساني. واستعرضت الورقة التأثير الأوسع للذكاء الاصطناعي على الأدب والفنون، وكيف أن الذكاء الاصطناعي لا يُقصي “الإنسان” من الأدب، بل يُجبر على إعادة تعريفه. يتبعها تحليل تفصيلي لتأثيره الخاص على شكل الرواية. كما تقدّم أمثلة لأعمال أدبية عالمية وعربية تأثرت بالذكاء الاصطناعي أو تم إنتاجها من خلاله بشكل مباشر. علاوة على ذلك، تستكشف الورقة العلاقة العميقة بين الذكاء الاصطناعي وما بعد الإنسانية.
وتجادل الورقة بأن الذكاء الاصطناعي، رغم ما يقدّمه من إمكانات إبداعية جديدة، يطرح تحديات جوهرية لمفاهيم التأليف، والأصالة، وجوهر التعبير الإنساني في السرد. وتستند هذه الورقة إلى نظرية ما بعد الإنسانية (هايلز، هاراوي)، ومحاكاة الوعي (بودريار)، وأطر المخاطر الوجودية (بوستروم) لاستكشاف كيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل مفاهيم الإبداع، والفاعلية، والتأويل في الرواية.
واستهل د. ضرغام ورقته البحثية، مستفهماً “هل الذكاء الاصطناعي بديل أم أداة؟”، مؤكداً أن الذكاء الاصطناعي ربما يمتلك في إطار السائد والمتاح، القدرة على التقليد أو الاستنساخ، لكن كل ذلك يؤدي إلى تشابه في النتائج أو المنجز، في مقابل الإبداع البشري القائم على التفرد والتميّز المرتبطين بخصوصية التجربة، وكيفية التعامل مع اللغة. موضحاً أن كل هذا التغيير الذي أحدثه- وسيحدثه- الذكاء الاصطناعي في الكتابة الأدبية والإبداعية يخلخل المرصود والمؤسس لهذه الكتابة، لأنه في صيغه الجديدة يعتبر مشاركا ومنافسا للإنسان، فمنتجه ضد التفرد، وضد الذاتية.
وكشفت ورقة د. زيدان عن ديناميكيات أوسع تتعلق بنقل النظريات عبر الثقافات، وتحديات الترجمة، والطرق التي يتم من خلالها تعديل الأفكار “الأجنبية” وإعادة توظيفها لخوض معارك فكرية محلية. وفتح آفاقًا لأبحاث مستقبلية، مثل إجراء دراسات مقارنة لاستقبال بارت في سياقات غير غربية أخرى، أو تتبع تطور علاقة ناقد عربي واحد (مثل الغذامي) ببارت على مدى عقود، أو تحليل استقبال مفكرين آخرين مثل دريدا وفوكو في العالم العربي لمعرفة ما إذا كانت الأنماط التي حددتها تقى المرسي قابلة للتعميم، كدراسة حالة موثقة بعناية فائقة في تاريخ استقبال النظريات.
وفي إطار هذه دراسة د. إيمان خلف المعنية برصد تحوّلات الرواية في عصر الذكاء الاصطناعي، تم إعداد استبيان يهدف إلى استقصاء آراء المتخصصين من الكُتّاب والنقاد، إلى جانب بعض ذوي الخبرة في مجال علوم الحاسوب، وقد سعى هذا الاستبيان إلى تقديم صورة واقعية حول تصوّراتهم بشأن الأسئلة الجوهرية المرتبطة بإمكانية تفكك الرواية من شرطها الإنساني في ظل تطوّر تقنيات التوليد الآلي للنصوص، وقد شمل الاستبيان واحد وأربعين مشاركًا من خلفيات تخصصية متنوعة، إلا أن الأغلبية لمجال الأدب والنقد، حيث شكّل أصحاب هذين التخصصين النسبة الأكبر من العيّنة المستجيبة، ما يعكس وعيًا نقديًا فاعلًا بأبعاد الظاهرة ووجوانبها المعرفية والجمالية.
وبحسب بعض نتائج الاستبيان، فإن أكثر من نصف المشاركين، أقرّوا أنهم قرأوا روايات أو نصوصًا مؤتمتة، مما يدل على وعي متزايد بوجود هذا النوع من الكتابة، وأشار معظم المشاركين إلى أنهم لم يستخدموا الذكاء الاصطناعي في تحليل النصوص الأدبية، لكنهم منفتحون على ذلك مستقبلًا.
“هل تختفي الرواية؟”
عزز المحور الرابع من التساؤلات التي تتصل بالتحديات التي تواجه الكتابة في زمن الذكاء الاصطناعي، فجاء العنوان متسائلاً “هل ستختفي الرواية أم ستظل سيرة للإنسان والمكان؟،
وشارك في هذا المحور: د. عايدي علي جمعة، ود. حنان الشرنوبي، ود. سعيد شوقي، وأحمد مجاهد جادو، فيما قام د. عزت قمحاوي بإدارة الجلسة.
وتساءل د. عايدي جمعة “هل يقضي الذكاء الاصطناعي على الرواية الإنسانية أم تبقى سيرة للإنسان والمكان؟”، وأجاب بقوله”: للوهلة الأولى تبدو الرواية عصيّة على الزوال، لكن تطور الذكاء الاصطناعي وقدرته على توليد نصوص مدهشة يطرح تهديداً حقيقياً لموهبة البشر ودوافعهم الإبداعية. ومع ذلك، ما ينتجه غالباً يفتقر للتماسك والروح، ويظل محتاجاً لتدخل الروائي البشري. فالآلة ليست سوى تراكم خبرات ومعطيات صاغها الإنسان في خوارزميات تنفّذ خطوات محددة. لذا، فإن النصوص التي تكتبها الخوارزميات تبقى انعكاساً لصوت البشر، فيما تظل الرواية الحقيقية مرآة لتجاربهم وشغفهم وحضورهم الوجودي”.
وتساءلت د. الشرنوبي هل يهدد الذكاء الاصطناعي ذائقة القارئ والناقد، ويزاحم القلم البشري؟، وتكمل: “صحيح أنّه قادر على محاكاة أساليب الروائيين، وتقديم حبكات أو نهايات بديلة، بل والقيام بدور المدقق اللغوي، لكنه يظل أداة مساعدة لا أكثر. فالرواية ليست لغةً فقط، بل بناء للشخصيات وتعميق لانفعالاتها، وتوظيف للزمن بطرق معقدة لا يمكن لخوارزمية أن تحاكيها بصدق. الخطر الحقيقي حين يفرط الكاتب في الاعتماد على الآلة ويفقد شغفه. أما الإبداع الإنساني، بما يحمله من عاطفة وإلهام وخبرة حياتية، فيظل هو الجوهر الذي لا تستطيع التقنية امتلاكه”.
وتناول ورقة د. سعيد شوقي سؤالا جوهريا متجددا في زمن التحولات التكنولوجية السريعة: هل سيختفي القص، أم يظل سيرة للإنسان والمكان؟ من خلال مفاعلة نقدية وفلسفية لقصة “زعبلاوي” لنجيب محفوظ، ومجموعة من القصص المحاكية التي ولدت عبر الذكاء الاصطناعي. واستعرضت طبيعة الفارق بين القص الطبيعي والقص التوليدي، من حيث البنية، والمعنى، والروح.
وتأملت الورقة البحثية العلاقة بين الروح والمادة، وفككت بنية السرد في رواية “زعبلاوي” لنجيب محفوظ بوصفها شهادة روحية على أزمة الإنسان العربي الحديث، ثم قارنتها بستة نصوص ولدها الذكاء الاصطناعي محاكية للقصة الأصلية. وخلصت الورقة إلى أن الذكاء
الاصطناعي قادر على محاكاة الشكل، لكنه يفتقد الجوهر الإنساني الكامن في الحاجة إلى السرد بوصفه خلاصا. كما استشرفت مستقبل القصة في ظل صعود الذكاء الاصطناعي، من خلال خشية الوقوع في أسر توقع زمني ثلاثي المدى : قريب ومتوسط وبعيد لمستقبل القص الطبيعي، يفقده كينونته ، مؤكدة أن القصة ستبقى مادامت الروح تبحث عن المعنى.
كما تناولت دراسة د. أحمد جادو مستقبل الرواية الأدبية في ظل التحولات التكنولوجية والتطورات المتلاحقة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، التي فرضت بدورها تساؤلات جوهرية حول مصير الكتابة الأدبية أو الإبداع الأدبي البشري وسط هذه التغيرات.
وحاول الباحث من خلال البحث الوقوف على ما يمكن أن يؤول إليه مصير الرواية بوصفها سجلًا للذاكرة الإنسانية ومرآة تعكس طبيعة الوجود البشري من خلال المقارنة بين الكتابة الإبداعية البشرية وكتابات الذكاء الاصطناعي للوقوف على مدى الخصوصية التي يتمتع بها كلا العنصرين، ومدى القدرة التي يتمتع بها الإبداع البشري في الحفاظ على الهوية الثقافية والأدبية، في ظل ما تنتجه خوارزميات الذكاء الاصطناعي من نصوص أدبية، خلافًا عن المرونة التي تتمتع بها الرواية في التكيف مع كافة المستحدثات التكنولوجية التي تطرأ عليها، وقابليتها للتفاعل معها.
“شهادات”
استعاد عدد من الروائيين تجارب حياتهم مع كتابة هذا الفن السردي، فكان الجمهور على موعد مع مجموعة من المبدعين الذين أدلوا بمراحل مهمة في مسيرتهم الكتابية، مؤكدين أن الرواية هي استدعاء للداخل حيث الذات الإنسانية.
شارك في جلسة الشهادات: عفّت بركات، وأشرف العشماوي، ومحمد سمير ندا، وجلاء الطيري، فيما قامت د. أماني الجندي بإدارة الجلسة.