نظم ندوة وحفلاً موسيقياً في الجامعة الكاثوليكية معهد الثقافة العربية بميلانو يحتفي بـ 4000 عام من موسيقى شعوب المتوسط

الشارقة / نظّم المعهد الثقافي العربي في الجامعة الكاثوليكية بميلانو يوماً أكاديمياً–موسيقياً خاصاً لاستكشاف الموسيقى المقامية في حوض البحر الأبيض المتوسط، بوصفها واحداً من أعمق الجسور الحضارية التي وحّدت شعوب المنطقة على امتداد أربعة آلاف عام. وجاءت الفعالية لتقدم للجمهور نموذجاً فريداً يجمع بين البحث العلمي والعرض الفني الحي في سياق واحد.

وانطلقت الفعالية بندوة أكاديمية قدّمها كلٌّ من البروفيسور إنريكو ريديجاني من الجامعة الكاثوليكية للقلب الأقدس، والبروفيسور نداء أبو مراد من جامعة السوربون – باريس، بإدارة البروفيسور وائل فاروق، مدير المعهد الثقافي العربي. في كلمته الافتتاحية، أشار البروفيسور فاروق إلى أن الثقافة المتوسطية هي بمثابة لغتنا المشتركة ولكل شعب لهجته الخاصة، وتناول المتحدثون، مدعومين بعروض موسيقية حيّة، البنية المقامية وتحوّلاتها عبر الأزمنة، مؤكدين أن الموسيقى -تماماً كاللغة- تحمل ذاكرة المتوسط المشتركة، وتُجسّد وحدته رغم تنوع ثقافاته ولهجاته الحضارية.

وتضمنت الفعالية حفلاً للموسيقى المقامية، أقيم في القاعة الكبرى التاريخية للجامعة الكاثوليكية، وشارك فيه البروفيسور نداء أبو مراد (الكمانشا والكمان والفيولا) وطارق بشير (غناء وعود)، ورفقة رزق (غناء)، وغسّان صحّاب (قانون ولِيرا).
قدّم الحفل رحلة موسيقية عبر سبع مراحل، تمثّل كلٌّ منها حقبةً تاريخية ومنطقة من مناطق المتوسط: من أقدم لحنٍ معروف في العالم منقوش على لوحٍ من أوغاريت (سوريا)، إلى اليونان القديمة، إلى الترانيم المسيحية الوسيطة في الكنائس السريانية والقبطية والبيزنطية، ثم إلى الترتيل الغريغوري اللاتيني، فإلى مؤلفات صفـيّ الدين الأرموي، المنظّر الموسيقي الكبير في العصر العباسي، وأخيراً إلى الأشعار الصوفية لمحيي الدين بن عربي.
واصلت الرحلة مرورها عبر المغرب والأندلس وإسبانيا، لتصل إلى محاكاة مقامية لأبيات دانتي أليغييري، قبل أن تختتم في مصر القرن التاسع عشر، مع ذروة عصر النهضة ومختارات من الأدوار والموشحات على مقامات مختلفة.
وشكّل الحفل لحظة مكثّفة من التلاقي الإبداعي، أتيح فيها للجمهور أن يستمع ويعيش موسيقى قديمة قِدم البحر الأبيض المتوسط نفسه، مجسداً رؤية المعهد في بناء جسور الحوار والتواصل الحي بين الحضارتين العربية والأوروبية.
وختم الأستاذ فاروق – الذي مُنح حديثاً جائزة التميّز المتوسطي لعام 2025 عن الثقافة والحوار بين الحضارات – قائلاً: “إن البحر الأبيض المتوسط بحرٌ تسكنه سرديّات – موسيقية أيضاً – تنسج الثقافات المختلفة لوجهٍ إنساني واحد، يمكن لكلٍّ منّا أن يتعرّف فيه على ذاته وهويّته”.








