كيف تدار العمليات التشغيلية اليومية بـ”منجم السكري” للذهب في مصر؟
رحلة تحول صخور الجبال إلى سبائك ذهبية

في قلب صحراء مصر الشرقية، وعلى مسافة تقارب 30 كيلومترًا جنوب مرسى علم على ساحل البحر الأحمر، يقبع أكبر منجم لإنتاج الذهب في مصر “منجم السكري” بمعدلات إنتاج سنوية تصل نحو 500 ألف أونصة.

ورصدت “العربية Business” في جولة لها في المنجم المراحل المتعددة لتحول صخور الجبال إلى سبائك الذهب.في أواخر تسعينيات القرن الماضي، بدأت ملامح أحد أكبر مشروعات التعدين في مصر تتشكل داخل الصحراء الشرقية، قبل أن يبدأ الإنتاج التجاري فعليًا عام 2009. ومنذ ذلك الحين، أصبح المشروع نموذجًا لشراكة استراتيجية بين الدولة والقطاع الخاص العالمي، حتى بات يُدار حاليًا عبر تحالف يضم هيئة الثروة المعدنية المصرية وشريكًا أجنبيًا متخصصًا في صناعة التعدين -شركة “أنغلو غولد أشانتي”- يستهدف توسيع نطاق الإنتاج خلال السنوات المقبلة، مع زيادة متوقعة للإنتاج بنسبة 8% خلال عام 2025، بحسب مسؤول حكومي تحدث إلى “العربية Business”.

ووفقًا لاتفاقية استغلال المنجم، تُقسم الأرباح مناصفة بين الطرفين، بحيث تحصل مصر على 50% من الأرباح مقابل نسبة مساوية للشركة، إلى جانب إتاوة تصل إلى 3% من صافي إيرادات المبيعات.
قبل شروق الشمس وتحديدًا في الخامسة صباحًا، يبدأ يوم العمل في منجم السكري باجتماع يومي يجمع فرق التشغيل والهندسة والسلامة لمراجعة خطة العمل، وتحديد توقيت ومواقع التفجير، وإبلاغ جميع العاملين بإجراءات الإخلاء، في منظومة لا تحتمل الخطأ.

تنطلق أولى مراحل إنتاج الذهب بعمليات تفجير الصخور، باستخدام أطنان من المواد المتفجرة لتفتيت كميات تصل إلى 50 ألف طن من الصخور يومياً، لكن قبل التفجير، تمر المنطقة بمرحلة تُعرف بـ “تأكيد الخام”، حيث تحدد فرق الاستكشاف نوعية الخام الموجود، سواء عالي التركيز بالذهب أو منخفض المحتوى، ثم تُجرى عمليات الحفر التأكيدي ووضع العلامات الجيولوجية بدقة إذ يحتوي كل طن من الصخور على كميات مغايرة من الذهب تتراوح بين 0.5 و1 غرام وصولاً إلى 3 غرامات ذهب في بعض مواقع الحفر.
عقب ذلك تُوجّه الصخور الحاملة للذهب إلى مراحل المعالجة، بينما تُستخدم الصخور غير الاقتصادية في تشوينات هندسية، أو في بناء أسوار وأحواض مخصصة لعمليات التسريب، بما يرفع كفاءة إدارة الموارد وتقليل الفاقد.

من تفجير الصخور إلى فصل الذهب
بعد التفجير، تبدأ مرحلة النقل باستخدام عشرات الشحنات العملاقة تنقل الخام إلى مناطق التجميع، تمهيدًا لدخوله إلى المصنع. هناك تستقبل كسارة الصخور الرئيسية الخام لتقليل حجم الصخور لقرابة ما بين 10 و 11 سم مكعب.
وبعد هذه العملية تنتقل الصخور الخام عبر سيور ناقلة إلى مرحلة التكسير الثانوية، حيث يتم تقليص حجمها مرة أخرى حتى تصل إلى 3 سم مكعب، قبل توجيهها إلى أحد مصنعي المعالجة الرئيسيين داخل المنجم.
في المرحلة التالية، تدخل الصخور الخام إلى وحدات الطحن، حيث تُضاف المياه، وتُطحن الصخور إلى حبيبات بحجم يبلغ نحو 150 ميكرون فقط. بعدها تُنقل إلى منطقة التعويم، وهي إحدى أكثر المراحل تعقيدًا، حيث تبدأ عملية فصل الذهب عن باقي المعادن باستخدام تقنيات فيزيائية وكيميائية دقيقة.
وتقترب رحلة استخراج الذهب من نهاية الرحلة داخل غرفة التحليل الكهربائي، وفصل الذهب عن الكربون، وفي هذه المرحلة يكون الذهب ما زال مخلوطًا بنسبة من الشوائب، ويتم إنزال الكميات المستخلصة أسبوعياً عبر مصعد خاص إلى غرفة الذهب.
صب السبائك الذهبية
في غرفة الذهب تُوزن المادة ثم تُجفف داخل أفران خاصة، قبل أن تدخل إلى المصهر الذي يعمل عند درجة حرارة تصل إلى 1200 درجة مئوية، في أسفل المصهر تنتظر مجموعة مدرجات مزودة بقوالب فارغة، تستقبل الذهب المنصهر ليبرد ويتحول إلى سبائك، بدرجة نقاء عالية الجودة.
كل سبيكة يُدمغ عليها الوزن والعيار، وتراقبها جهات رسمية مثل مصلحة الدمغة والموازين، لضمان النزاهة ومطابقة المواصفات قبل أي عملية بيع أو تسليم.
وبعد سبك الذهب وتنقيته تأتي المرحلة التي يكتسب فيها المعدن البعد الاقتصادي الحقيقي وهي التسليم إلى الجهات الرسمية بالبلاد.
بهذه المراحل المتتابعة، يتحول الخام المدفون في أعماق الصحراء إلى ذهب قابل للتداول، في رحلة تجمع بين الجيولوجيا، والهندسة، والتكنولوجيا، وتعكس حجم الاستثمارات التي تقف خلف صناعة التعدين، بوصفها أحد أعمدة الاقتصاد الاستخراجي ومصادر العملة الصعبة لمصر.
إيرادات منجم السكري
ووفق مسؤول حكومي، فإن إيرادات السكري تدخل إلى حسابات المنجم في مصر ويُنفق منها على العمليات الاستثمارية والتشغيلية، إذ تقوم الشركة بصب كميات من الذهب أسبوعيًا في حضور لجنة من مصلحة الدمغة والموازين وهيئة الثروة المعدنية المصرية، ثم تتم عمليات التنقية بمعامل متخصصة في الخارج يعقبها بيع الإنتاج بالكامل وتحويل قيمته إلى حساب المنجم في مصر لسداد المصاريف التشغيلية والأرباح والإتاوات وحساب النفقات المستردة لأية استثمارات مُنفذة بالمنجم.
يستحوذ منجم السكري على ما يزيد على 70% من إنتاج البلاد من الذهب، مع خطط لرفع نسبة مساهمة المنجم بالناتج القومي للدولة خلال السنوات الخمس القادمة تزامنًا مع مساعي الحكومة المصرية وشركة “أنغلو غولد أشانتي” لتنمية منجم السكري، بحسب المسؤول الذي تحدث لـ “العربية Business”.
وتزامنًا مع تطور الأعمال بمنجم السكري للذهب الذي تبلغ احتياطياته المؤكدة نحو 6.2 مليون أوقية، تجرى أعمال تنمية من خلال “أنجلو جولد أشانتي” لتأكيد نحو 4.3 مليون أوقية إضافية لاحتياطيات المنجم بما يعزز من قيمته وفق بيانات حكومية رسمية.
وبحسب بيانات شركة “أنغلو غولد أشانتي” المالكة لحقوق امتياز المنجم، حصلت مصر على 295 مليون دولار من منجم السكري خلال العام الماضي.